کد مطلب:187326 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:255

و سلاحه البکاء (22)
- الی كربلاء.

همس الفتی فی اذن الدلیل، و قد انفصلت القافلة عن دیار الشام فی رحلة العودة الی أرض الحجاز.

منذ ذلك التاریخ ستصبح تلك البقعة علی شطآن الفرات مقصدا للقوافل الجدیدة و محطة لقوافل اخری.

كان علی الدلیل أن یسلك طریقا آخر غیر طریق التجار و بعیدا أیضا عن طریق البرید، حیث تمرق الخیول سریعة تحمل الأنباء الهامة.

و انسابت القافلة مثل ظفیرة من حریر فی بطون الأودیة متجهة صوب «عین الوردة» أولی محطات الطریق الجدید.

بركت النوق فی «عین الوردة» ثم فی «قرمیسیا» و بعدها «الأنبار» ثم یممت وجهها شطر بقعة علی ضفاف الفرات... بقعة ستشهد میلاد مدینة ما تزال فی مخاض الزمن.

آن «للرأس» أن یعود بعد رحلة دامت أربعین یوما.



[ صفحه 80]



آن للرأس الذی طاف المدن فوق ذری الرماح أن یعود بعد أن رتل القرآن ترتیلا.

عاد رأس السبط بعد أن أیقظ الانسان فی النفوس الآدمیة.. و فی الأرض البذور.

كان الشفق دامیا كجراح الأنبیاء عندما وصلت القافلة كربلاء.

آثار الخیول ما تزال محفورة فی الأرض و التاریخ و فی ذاكرة الانسان...

سهام مغروسة فی الرمال... سیوف مهشمة و بقایا رماد.

قفزت الحوادث الرهیبة الی الذاكرة... تجسدت فی العیون... و تردد صداها فی القلوب.

هرولت «الرباب» الی كومة رمل صغیرة. ضمت رضیعها الشهید. احتضنت الرمال الناعمة.. هتفت بقلب كسیر:

- هلم الی یا صغیری.

و تساقطت قطرات من دمع و من لبن رسمت فی الثری نقاطا ندیة صغیرة.

كان الرضیع غافیا فی أحضان الأرض التی لونها بدمه الرائق. و عندما هومت عیناها، رأت نافورة ماء تنبجس من نحر الشهید..

كان الأطفال یدورون بین القبور كحمائم بریة تبحث عن أعشاشها.

من بعید لاح «جابر».. رجل آزر النبی و نصره و جاء الیوم یجدد.



[ صفحه 81]



العهد مع سبطه.

شم جابر رائحة النبی فهوی یقبل قبر الحسین:

- یا حسین... یا حسین... أشهد انك قد مضیت علی ما مضی علیه أخوك یحیی بن زكریا.

هتف الفتی و قد تجمعت فی عینیه الدموع:

- یا جابر هاهنا والله قتلت رجالنا... و ذبحت أطفالنا و سبیت نساؤنا و حرقت خیامنا.

نهض جابر ینوء بحمل السنین.. أجال بصره الواهن فی القبور و هتف كأنه یخاطب التاریخ و الانسان:

- السلام علیكم أیتها الأرواح التی حلت بفناء الحسین و أناخت برحله... أشهد أنكم أقمتم الصلاة و آتیتم الزكاة و أمرتم بالمعروف و نهیتم عن المنكر، و جاهدتم الملحدین، و عبدتم الله حتی أتاكم الیقین.. و الذی بعث محمدا بالحق نبیا، لقد شاركناكم فیما دخلتم فیه.

قال رجل و قد اتسعت عیناه دهشة:

- كیف و لم نهبط وادیا و لم نعل جبلا و لم نضرب بسیف؟!

و تدفقت كلمات قالها محمد ذات یوم:

- سمعت حبیبی رسول الله یقول: من أحب قوما كان معهم و من أحب عمل قوم أشرك فی عملهم... و الذی بعث محمدا بالحق نبیا ان نیتی و نیة أصحابی علی ما مضی علیه الحسین و أصحابه.

كانت الشمس علی وشك المغیب و قد بدت حمراء حمراء كعین



[ صفحه 82]



تسح دموعا ثقالا.

مسح جابر وجها كان قد تعفر بتراب الحسین.. تمتم بحدیث لحبیبه كان قد سمعه قبل أكثر من خمسین سنة، كان النبی یداعب صبیا فی ربیعه الخامس و یقول: حسین منی و أنا من حسین.

هتف جابر وسط الصمت و كان الفرات یجری تتدافع أمواجه:

- أشهد انی قد سمعت ذلك من حبیبی محمد.

غابت الشمس خلف الرمال الممتدة، و نشر المساء ستائره الرمادیة فوق الأرض، و انبری رجال یدقون أوتاد خیام صغیرة... فزینب ترید البقاء الی جانب أخیها الحسین.



[ صفحه 83]